الخميس، 24 ديسمبر 2009

"محاولةُ إستقراءِ أعمق"


هانيــــة عَســـوَد

تستمرُ حالات الهذيانِ غيرِ المكتمله في محاولةٍ لإستقراءِ وفهمِ الإنتماءِ والتمردِ والتنافرِ والتجاذبِ المتكررة

فعقلي ما يزالَ في حالةٍ منَ الهذيانِ غيرِ المكتمله.  كلما حاولَ إستكمالَ فهم فكرة، غرق في محاولة فهم الفكرة التي تليها؛ وكلما حاول إستكمال ترجمة موقف، علق في محاولة ترجمة الموقف الذي تلاه

أما قلبي، فحالةُ هذيانهِ هي من أهم مسببات حالةُ هذيان عقلي

يحتج عقلي، وأسمعه يطلق إتهامات التمرد والخيانة.  وحينَ يعلو الضجيج برأسي وتصن أذناي، أصرخ في فراغ يبدو لي بعد دقائق أنه بلا قاع

من قال أن الأعضاء تنتمي لأصاحبها كل الوقت؟ فكثيراً ما تخوننا وتتمرد علينا،  فنغضب منها ونلعنها.  لكن حتى بتمردها نحبها.  الإنتماء والتمرد، حالتان متوتران

قد يكون الإستقرارُ ثأر الإنتماء على التمرد.  أن نسكنه ويسكننا يعني أن نفضّل ألم السكون على أن نعيش جمالية صخب الحياة

ليبقى الإستقرار إذاً حالة نسبية يتغير تعريفها، ومواصفاتها ومفهومها بتغيّر الكائن الذي يعيش فينا وبتغيّر الكائنات التي تعيش في المحيط المتغير دوماً حولنا

الخيانة أيضاً يمكنُ أنْ تكونَ ثأرُ الإنتماءِ على التمردْ .. لكنْ قد تكون أحياناً ثأرُ التمردِ على الإنتماء.  الخيانةُ كما الكذبُ، حالةُ وعيٍ مشوهة، لروحٍ عريانةٍ ومشوهةٍ أيضاً

والكذب هو القناع الذي يختبى خلفه من ليس لديه القدرة للوقوف عارياً أمام نفسه وأمام الآخرين لكي لا يرى تشوهات روحه

فالعشق ليس فعلاً نقومُ بهِ، بل حالة تتطور داخلنا، من خلالنا وبنا.  العشق حالة ترابط مع كائنٍ آخر، مع فكرةٍ، أو حتى مع ذكرى.  العشق حالة تمرّد مستقلة.  تتطور داخلنا، وقد لا ترتبط بالزمان أو بالمكان، أو حتى بالواقع

أما البلهُ .. ذلكَ الشعورُ الباحثُ عنْ الإنتماء، فهو صفة يُطلقُها على نفسهِ عاشقٌ وصلتْ حالةُ هذيانِ عقلهِ إلى حدِ الجنون.  وبمقولةٍ أخرى، لصديقٍ مرهقٍ يرتشفُ العشقَ ولكن بحذرٍ يقتُلني "البله كما الوله، عبادة."

هل يمكن أن يقترن الجنون بالعبادة، والتمرد بالإنتماء؟  حالات إستثنائية خارجة عن النص.  وللكثيرين، الخروج عن النص خطيئة لاتغتفر 

لذلك فالشهوة - وإن كان فيها شيئاً من العبادة - هي خطيئة بشرية جميلة حدّ الألم غير منتهية وصعب أن تُشبَع

الصدقُ سواءاً بكلامنا، بمشاعرنا أو بأفعالنا هو حالة تعرية مريحة لدرجة الوجع.  ولكن مؤلمة عندما تكون في فراغ ٍ غير مكترثٍ لجمالية ألم المشاعر أو حتى بشاعتها

أن نتعرى أمام أنفسنا يعني أن ننتشي لدرجة التنوّر، فهو ما قد يعيدنا إلى الإنتماء أو يدفعنا إلى التمرد.  أما التعري أمام الآخرين فإحتمالات نتائجة كثيرة، مؤرقة وغير مضمونة

ويبقى الزمن، ذلك الأسطورة التي نحتاج أن نعيشها لنعيش معها كل حالات الهذيان الممكنة التي تشكل حيواتنا.