الثلاثاء، 15 أبريل 2014

رسالة إلى محمد عسّاف

عزيز محمد، وأتمنى أن تصلك رسالتي وأنت بخير وفرح وأمل ولأن يكون لدى صدرك الرحابة وسعة الافق لأن تتقبل ما سيأتي بها كوجهة نظر - أحدى المواطنات المهتمات في هذا الوطن العربي الممتد - على الأقل. 


أنا لست من متابعي التلفاز .. فلقد أخذت قرار منذ 10 سنوات تقريباً بمقاطعته تماماً بعد أن تدهورت محطاته وبرامجه ورسائلة وأدواته بسبب الظروف والواقع والأجندات (ليس فقط في المنطقة العربية وإنما بشكل عام).  وللعلم ، أنا لم أعد لمشاهدته خلال هذه السنوات العشرة الماضية إلا لسبيين.  الأول هو أحداث الربيع العربي ما بين تونس ومصر واليمن بشكل خاص.  والثانية كانت لمشاهدة الثلاثة حلقات الأخيرة من برنامج "الأراب أيدل" الذي كنت به وذلك بعد كمّ الضغوطات والتخجيلات التي واجهتها من الأصدقاء.  وللعلم أيضاً، بشكل أخلاقي ومهني عام، لدي تحفظات على البرامج الفنية التلفزيونية التجارية بما فيها البرنامج الذي كنت به، وتحديداً بكيفية العمل عليها والتعامل مع المتقدمين لها والمشاركين بها وتسخيرها .. لكن، قناعتي، برغم تحفظاتي، أنها لربما - حتى لو بالصدفة - تستطيع أن توفر فرص حقيقية لشباب وفتايات موهوبين يستحقون الدعم على مستويات مختلفة؛ وهذا أضعف الأيمان. 

خلال مشاهدة آخر ثلاثة حلقات، شدني الفخر بك وبكل الشباب العرب المشاركين الموهوبين؛ فرحت ودافعت عن كمّ الفرحة التي أدخلتموها إلى قلوب وبيوت الشعوب .. شعوبكم، وتحددياً في وقت وظروف أصابتنا جميعاً بالإحباط .. من الخليج حتى المحيط. وللأسف، لم أتابع ما حدث معك ومع الآخرين من المشاركين بعد إنتهاء البرنامج.  لكن كنت أسمع بعد الأخبار من خلال الأصدقاء كل فترة. 

أما الآن وقد وصلني لينك لأغنيتك الجديدة - "يا حلالي يا مالي" http://www.youtube.com/watch?v=jCOfMdXNSzs&feature=youtu.be - التي قمت بتصويرها في أحد المخيمات الفلسطينية في لبنان، شعرت بحاجتي لأن أضع أمامك بعض إنعكاساتي ومن ثم أمنياتي وآمالي، وهي بشكل أساسي على ثلاثة محاور مترابطة جداً:  

الشكل والمضمون:
بدايةً، لم أر في الفيديو عسّاف الشاب الفلسطيني العربي بطبيعته وعفويته الحرة.  الشعر و"الميك أب" أكثر من اللزوم لدرجة تسلب الواقعية من المشهد وكذلك من الفكرة التي يحاول الفيديو وجلمتك في نهايته ترسيخها.  والملاحظة الثانية، هي أنني ولوهلة شعرت بأن الفيديو كليب هو إعلان تسويقي لمنتجين جديدين في ساحة المستهلكين؛ البوت الجولد-بليتد أو المذهب والبلوزة ذات الحطة الذهبية الحديثة.  ولم أفهم وجود العديد من المشاهد الأخرى في الفيديو التي حملت صور لأحذية رياضية - مختلفة وربما أكثر حقيقية ومنطقية بشكلها كأحذية رياضية - لشباب من المخيم (المفروض) وكذلك صور أخرى لك بالحطة البيضاء الحقيقية؛ وشعرت أيضأ بأن ذلك هي طريقة المنتج لعمل المقارنة أو المقاربة. 

أحترم تماماً حاجة المنتج والمخرج لإستخدام الميكياج والملابس لأسباب تقنية و"فنية" وتسويقية،  كما وأنني أعي أهمية الإستعانة بالشركات الكبرى الرأسمالية لدعم المشاريع الإبداعية وغيرهم من المشاريع المهمة، لكن أتمنى عليك أن تكون أكثر وعياً وحذراً من أن تؤدي هذه الأهداف أو أحدها إلى تشويه الطبيعية وتشويه الثقافة العامة والمضمون وبالتالي التأثير بشكل سلبي عليك وعلى مشاهديك وعلى تفاصيل أكبر.  ومثل صغير على ذلك: أنا لا يسعدني أبداً بأن تكون طرف من الأطراف الكثيرة التي تسعى إلى تشويه الثقافة التراثية والسياسية سوءاً للقضية الفلسطنية أو للمنطقة عبر إستبعاد الحطة الحقيقية وإستخدام ما تبقى منها من خلال رسم كمبيرتر مذهب على صدر البلايز العصرية.  أنا لست ضد التحضر والتقدم، لكن وبعد أن شهد التاريخ، ثقافات مات أهلها في محاولة لترسيخ هويتهم عبر تراثهم، فإن ذلك يطلب منّا أن نكون أكثر وعياً وعدم تخطي ذلك الخط الرفيع، ما بين التحضر وبين إنتهاك حرمة الثقافات والتراث. 

الرسالة والتمييز ..
تقديرك لأصلك وإنتماءك لمكانك ولقضيتك يمكن أن تعكسهم من خلال أشكال وأعمال متعددة وليس فقط من خلال إنتاج فيديو كليب في أحد المخيمات لا سيما وأن الفيديو كليب لم يعكس أي مضمون حقيقي تعكس هذه القضية، سواءاً بشكل خاص (المخيمات الفلسطينية في لبنان) أو بشكل عام (اللجوء كمفهوم ونتائج).  ولا أفترض هنا أن عليك التركيز على السيء أو المحزن فقط.  أسعدني جداً رؤية الفرح على الناس الموجودة في الفيديو وأتمنى أن يكون هذه هو حقيقة ما حدث على أرض الواقع حين تصوير الفيديو في المخيم. 

نحن بحاجة حقيقية لأشخاص وأرواح جديدة من المنطقة العربية (في كل المجالات) التي لديها الوعي والحافز والقدرة على أن تعمم ثقافة وفكر جديد.  الفنان صاحب رسالة ولديه السلطة والقدرة على توصيلها لجمهور كبير. وأنت يا عزيزي، صاحب أكثر من رسالة برأيي؛ كشاب، كفلسطيني، كلاجئ، كعربي، كفنان، وبالتأكيد لربما يكون لديك غيرهم بشكل شخصي.  وكمثال بسيط على ما أقوله؛ أنا لست ضد التغني بالرصاص الذي "يلولح بالعالي" ولكني مع تناوله بشكل أكثر وعياً وأكثر موضوعية وتحديداً بهذه المرحلة التاريخية التي يمر الشعب الفلسطيني والشعوب العربية وتحديداً الشباب. 

التغني بالمقبول والركض خلف السائد والمضي فقط مع التيار الجارف لن يسمح لك أبداً بتأدية أية رسالة حقيقية يمكن لها أن تترك أثر أو تغيير إيجابي على أي مستوى.  من الضروري أن تختار رسائلك وترسم مسارك وتعمل بجد وصبر على تحقيقهم.  وبرأيي المتواضع، لو قدمت الأفضل أو قدمت الأسوا، كفنان، ستستطيع أن تكسب "جمهور"؛ لكن هناك فرق ما بين كسب الجمهور عبر فن حقيقي وناضج يطرح مضمون واعي وناضج ويساهم في عمل تغيير على مستوى الوعى والثقافة وبين كسبه عبر تكرير نفس الرسائل التجارية ذات الأهداف التسويقية التي لا تزال تلوث مجتمعنا وشبابنا وتؤدي إلى إبعادنا كل البعد عن القضايا الأهم لنا ولمجتمعاتنا ومحيطنا.  لربما تحتاج لوقت ما أن تقوم بإنتاج الإثنين سوياً لتستطيع تحقيق الكسب سواءاً جماهيرياً أو مادياً .. تمام؛ لكن أتمنى أن لا تغلب التسويقية والتجارية على فنك ولا أن تتوه في محاولة للبقاء ضمن "النخبة الفنية التجارية" وتخسر فنك الحقيقي. 

الشهرة والأضواء ..
كلنا نعلم بأن لدى الشعوب إشكالية حقيقية مع واقع أن أغلب من يصل إلى السلطة من السياسيين والمفكرين وغيرهم، ينفصلون تماماً عن أرض الواقع والناس والقضايا الحقيقية ويشكلون ما يسمى بـ "النخب السياسية" التي تعمل لمصلحتها الفردية أو المشتركة ما بينهم؛ وطبعاً جميعهم لديهم المبررات – من وجهة نظرهم لذلك – والتي يتمحور عدد منها حلول: أن "التيار جارف لرأي ورؤية الأغلبية" داخل هذه النخبة وكذلك هناك فكرة "أهمية الحصول على القبول" من هذه الأغلبية بهدف البقاء جزء منها وعمل شيء وبالتأكيد هناك فكرة العمل بحسب ما يرغبنه "السوق"، أو ما يقبله ويتوقعه الأغلبية من الناس.  بنفس المنطق والسياق تماماً، هنالك "نخب الأنجي أوز" و"النخب الثقافية" و "النخب الفنية" و"التجارية" وغيرهم.   أتمنى أن لا تتحول إلى رقم من أرقام هذه النخب المنزوعة من أرضها والبعيدة عن جذورها وناسها والتي تعمل لمصلحتها أو لمصالحهم المشتركة فقط فتقتل حلمك وحلمنا بك وبكل أمل صاعد.

في النهاية، مرة أخرى، أتمنى أن يتسع صدرك لأن تأخذ تأملاتي ورأيي على أنهم تخوفات وأمنيات لا تستهدف بأي شكل من الأشكال الإساءة إليك أو لقدراتك وإنما لتحفيزك على العمل أكثر على ما يمكن أن يتناسب مع ما أعلنته كمسؤوليتك ودورك، وأن يصقل ويرضي موهبتك، ويحقق حلمك ويرضي ضميرك. 

هانيــــة عَســـوَد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق